فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إن التقية رخصة من الله، روى: أن مسيلمة الكذاب جاء برجلين من المسلمين وقال لواحد منهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال المؤمن نعم: قال مسيلمة: وتشهد أني رسول الله؟ قال المؤمن: نعم. وأحضر مسيلمة المسلم الآخر وقال له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال المؤمن: نعم. قال مسيلمة: أتشهد أني رسول الله؟ قال المؤمن الثاني: إني أصم كيف رد عليه المؤمن بدعوى الصمم؟ لقد علم مسيلمة أنه يدعي الصمم، لذلك أخذه وقتله، فرفع الأمر إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا قال؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أما المقتول فقد صدع بالحق فهنيئا له، وأما الآخر فقد أخذ برخصة الله». فالتقية رخصة، والإفصاح بالحق فضيلة.
وعمار بن ياسر أخذ بالرخصة وبلال بن رباح تمسك بالقرعة.
ولننظر إلى حكمة التشريع في هذا الأمر. إن كل مبدأ من مبادئ الخير جاء ليواجه ظاهرة من ظواهر الشر في الوجود، وهذا المبدأ يحتاج إلى منهج يأتي من حكيم أعلى منه، ويريد صلابة يقين، وقوة عزيمة، كما يريد تحمل منهج، فالتحمل إنما يكون من أجل أن يبقى المنهج للناس، والعزيمة من أجل أن يواجه المؤمن الخصوم، فلو لم يشرع الله التقية بقوله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} [النحل: 106].
لكنا حقيقة سنحقق الفدائية التي تفدي مناهج الحق بالتضحية بالحياة رخيصة في سبيل الله، ولكن هب ان كل مؤمن وقف هذا الموقف فمن يحمل علم الله إلى الآخرين؟ لذلك يشرع الحق سبحانه وتعالى التقية من أجل أن يبقى من يحمل المنهج، أنه يقرر لنا الفداء للعقيدة، ويشرع لنا التقية من أجل بقاء العقيدة. لقد جاء الحق بالأمرين: أمر الوقوف في وجه الباطل بالاستشهاد في سبيل الحق، وأمر التقية حماية لبعض الخلق حتى لا يضيع المنهج الحق لو جاء جبار، واستأصل المؤمنين جميعا، لذلك يشرع الحق ما يبقى للفداء قوما، ويبقى للبقاء قوما ليحملوا منهج الله، هل عرفنا الآن لماذا جاءت التقية؟ لأن الحق سبحانه وتعالى يريد منهجا يعمر الأرض، ويورث للأجيال المتتالية، فلو أن الحق لم يشرع التقية بقوله: {مَن كَفَرَ بِالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان وَلَاكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].
لثبتت الفدائية في العقيدة، ولو ثبتت الفدائية وحدها لكان أمر المنهج عرضه لأن يزول، ولا يرثه قوم آخرون، لذلك شرع الله التقية ليظل أناس حول شمعة الإيمان، يحتفظون بضوئها؛ لعل واحدا يأخذ بقبسها، فيضيء بها نورا وهاجا. ولذلك، فلا ولاية من مؤمن لقوم كافرين إلا أن يتقى منهم تقاة، لماذا؟ لأن الله يحذرنا نفسه بقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ}.
فإياك أن تقبل على السلوك الذي يضعه أمامك الكفار بانشراح صدر وتقول: أنا أقوم بالتقية، بل لابد أن تكون المسألة واضحة في نفسك، وأن تعرف لماذا فعلت التقية، هل فعلتها لتبقى منهج الخير في الوجود، أو لغير ذلك؟ هل فعلتها حتى لا تجعل جنود الخير كلهم إلى فناء أو غير ذلك؟ أنك إن فعلت التقية بوعي واستبقيت نفسك لمهمة استبقاء المنهج الإيماني، فأنت أهل الإيمان، وعليك أن تعرف جيدا أن الحق قد قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ}. أنه الحق يقول للمؤمنين: إياكم أن تخلعوا على التقية أمرا هو مرغوب لنفوسكم، لماذا؟ لأن الحق قد حددها: {مَن كَفَرَ بِالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان وَلَاكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].
فلا غاية إلا الله، فإياكم أن تغشوا أنفسكم؛ لأنه لا غاية عند غيره؛ فالغاية كلها عنده وبعد ذلك يقول الحق: {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله}. اهـ.

.من فوائد القاسمي:

قال رحمه الله:
{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء}.
جمع ولي، ومعانيه كثيرة، منه المحب والصديق والنصير. قال الزمخشري: نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام، أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر. وقد كرر ذلك في القرآن: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51]: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله} [المجادلة: 22] الآية، والمحبة في الله، والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان. وقوله تعالى: {مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ} حال. أي: متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالًا أو اشتراكًا، وفيه إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة، وأن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ} أي: ومن يوال الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية، يعني: أنه منسلخ من ولاية الله رأسًا. وهذا أمر معقول، فإن موالالة الولي وموالاة عدوه متنافيان، قال:
تود عدوّي ثم تزعم أنني ** صديقك ليس النوك عنك بعازب

أفاده الزمخشري {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} أي: تخافوا منهم محذورًا. فأظهروا معهم الموالاة باللسان دون القلب لدفعه، كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وأصل: تقاة وقية، ثم أبدلت الواو تاء، كتخمة وتهمة، وقلبت الياء ألفًا. وفي المحكم: تقاة: يجوز أن يكون مصدرًا وأن يكون جمعًا، والمصدر أجود، لأن في القراءة الأخرى: تقية.
تنبيه:
قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة تحريم موالاة الكفار، لأن الله تعالى نهى عنها بقوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ}، ثم استثنى تعالى التقية فرخص في موالاتهم لأجلها، فتجوز معاشرة ظاهرة، والقلب مطمئن بالعداوة لهم والبغضاء وانتظار زوال المانع.
وقد قال الحاكم: في الآية دلالة على جواز إظهار تعظيم الظلمة اتقاء لشرهم. قال: وإنما يحسن بالمعاريض التي ليست بكذب، وقال الصادق: التقية واجبة، وإني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فأستتر عنه بالسارية لئلا يراني.
وعن الحسن: تقية باللسان، والقلب مطمئن بالإيمان.
واعلم أن الموالاة، التي هي المباطنة والمشاورة وإفضاء الأسرار للكفار، لا تجوز. فإن قيل: قد جوز كثير من العلماء نكاح الكافرة، وفي ذلك من الخلطة والمباطنة بالمرأة ما ليس بخاف، فجواب ذلك: أن المراد موالاتهم في أمر الدين، وفيما فيه تعظيم لهم. فإن قيل. في سبب نزول الآية أنه صلى الله عليه وسلم منع عُبَاْدَة بن الصامت عن الاستعانة باليهود على قريش! وقد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود على حرب قريش، وفي هذا دلالة على جواز الاستعانة بهم. وقد ذكر الراضي بالله أنه يجوز الاستعانة بالفساق على حرب المبطلين. قال: وقد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود على حرب قريش وغيرها، إلى أن نقضوه يوم الأحزاب. وحدَّ صلى الله عليه وسلم الحلف بينه وبين خزاعة. قال الراضي بالله: وهو ظاهر عن آبائنا عليهم السلام، وقد استعان علي عليه السلام بقتلة عثمان. ولعل الجواب- والله اعلم- أن الاستعانة جائزة مع الحاجة إليها. ويحمل على هذا استعانة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود. وممنوعة مع عدم الحاجة، أو خشية مضرة منهم. وعليه يحمل حديث عُبَاْدَة بن الصامت. فصارت الموالاة المحظورة تكون بالمعاداة بالقلب للمؤمنين، والمودة للكفار على كفرهم، ولا لبس في تحريم ذلك، ولا يدخله استثناء والموالاة بإظهار التعظيم وحسن المخاللة والمصادقة بإظهار الأسرار ونحو ذلك، فلا لبس في تحريم ذلك ولا يدخله استثناء، والموالاة بإظهار التعظيم وحسن المخاللة والمشاورة فيما لا يضر المسلمين، فظاهر كلام الزمخشري أنه لا يجوز إلا للتقية. فحصل من هذا أن الموالي للكافر والفاسق عاصٍ، ولكن أين تبلغ معصيته؟ يحتاج إلى تفصيل: إن كانت الموالاة بمعنى الموادة، وهي أن يوده لمعصيته كان ذلك كالرضا بالمعصية. وإن كانت الموالاة كفرًا، كفر. وإن كانت فسقًا، فسق. وإن كانت لا توجب كفرًا ولا فسقًا، لم يكفر ولم يفسق، وإن كانت المولاة بمعنى المحالفة والمناصرة، فإن كانت محالفة على أمر مباح أو واجب، كأن يدفع المؤمنون عن أهل الذمة من يتعرض لهم، ويخالفونهم على ذلك، فهذا لا حرج فيه، بل هو واجب. وإن كانت على أمر محظور كأن يحالفوهم على أخذ أموال المسلمين والتحكم عليهم، فهذه معصية بلا إشكال، وكذلك إذا كانت بمعنى أنه يظهر سر المسلمين ويحبّ سلامة الكافرين لا لكفرهم، بل ليدٍ لهم عليه أو لقرابة أو نحو ذلك، فهذا معصية بلا إشكال. لكن لا تبلغ حدها الكفر، لأنه لم يُروَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بكفر حاطب بن أبي بلتعة.
وقال الراضي بالله: إن مناصرة الكفار على المسلمين توجب الكفر، لأنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس: «ظاهرك علينا». وقد اعتذر بأنه خرج مكرهًا. وأما مجرد الإحسان إلى الكافر فجائز لا ليستعين به على المسلمين، ولا لإيناسه. وكذلك أن يضيق لضيقه في قضية معينة لأمر مباح فجائز، كما كان من ضيق المسلمين من غلب فارس الروم، فصار تحقيق المذهب أن الذي يوجب الكفر من الموالاة أن يحصل من الموالي الرضا بالكفر. والذي يوجب الفسق أن يحصل الرضا بالفسق. إن قيل: فما حكم من يجند مع الظلمة ليستعينوا به على الجبايات وأنواع الظلم؟ قلنا: عاص بلا إشكال، وفاسق بلا إشكال، لأنه صار من جملتهم. وفسقهم معلوم. فإن قيل: فإن تجند معهم لحرب إمام المسلمين؟ قلنا: صار باغيًا، وحصل فسقه من جهة البغي والظلم. فإن قيل: حكي عن المهدي علي بن محمد عليه السلام أنه كفّر من تجند مع سلطان اليمن وقضى بردته، قلنا: هذا يحتاج إلى بيان وجه التكفير بدليل قطعي. وإن ساغ أن نقول ذلك اصطلاح لأمر الإمام كما رد الهادي عليه السلام شهادة من امتنع من بيعة الإمام كان ذلك محتملًا- انتهى كلامه رحمه الله.
ومن هذه الآية استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف. وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني في كتابه: إيثار الحق على الخلق فقال ما نصه:
وزاد الحق غموضًا وخفاءً أمران:
أحدهما: خوف العارفين، مع قلتهم، من علماء السوء وسلاطين الجور، وشياطين الخلق، مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن وإجماع أهل الإسلام. وما زال الخوف مانعًا من إظهار الحق، ولا برح المحق عدوًّا لأكثر الخلق. وقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في ذلك العصر الأول: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما: فبثثته في الناس، وأما الآخر: فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وما زال الأمر في ذلك يتفاحش. وقد صرح الغزالي بذلك في خطبة المقصد الأسنى ولوّح بمخالفته أصحابه فيها كما صرح بذلك في شرح الرحمن الرحيم فأثبت حكمة الله ورحمته، وجود الكلام في ذلك، وظن أنهم لا يفهمون المخالفة، لأن شرح هذين الاسمين ليس هو موضع هذه المسألة، ولذلك طوى ذلك، وأضرب عنه في موضعه، وهو اسم الضار كما يعرف ذلك أذكياء النظار.
وأشار إلى التقية الجويني في مقدمات البرهان في مسألة قدم القرآن. والرازي في كتابه المسمى بالأربعين في أصول الدين إلى آخر ما ساقه المرتضي فانظره.
{وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} أي: ذاته المقدسة، فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه، وموالاة أعدائه. وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي في القبح، وذكر النفس، ليعلم أن المحذر منه عقاب يصدر منه تعالى، فلا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة: {وَإِلَى الله الْمَصِيرُ} أي: المنقلب والمرجع ليجازي كل عامل بعمله. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ (28)}.
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق، وقيس بن زيد، قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر، وعبدالله بن جبير، وسعد بن خيثمة، لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم. فأبى أولئك النفر، فأنزل الله فيهم {لا يتخذ المؤمنون الكافرين} إلى قوله: {والله على كل شيء قدير}.
وأخرج ابن جرير وأبي المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين أولياء، فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين. وذلك قوله: {إلا أن تتقوا منهم تقاة}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} فقد برئ الله منه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} فالتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن ذلك لا يضره إنما التقية باللسان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس {إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال: {التقاة} التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان، ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال: إلا مصانعة في الدنيا ومخالقة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: {التقية} باللسان وليس بالعمل.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال: إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: {التقية} جائزة إلى يوم القيامة.
وأخرج عبد عن أبي رجاء أنه كان يقرأ {إلا تتقوا منهم تقية}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه كان يقرؤها {إلا أن تتقوا منه تقية} بالياء.
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم {إلا أن تتقوا منهم تقاة} بالألف ورفع التاء. اهـ.

.تفسير الآية رقم (29):

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كانت الموالاة بالباطن المنهي عنها مطلقًا ودائمًا قد تفعل ويدعى نفيها لخفائها أمره صلى الله عليه وسلم بتحذيرهم من موالاة أعدائه على وجه النفاق أو غيره فقال: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا}.
وقال الحرالي: ولما كان حقيقة ما نهى عنه في الولاية والتقاة أمرًا باطنًا يترتب عليه فعل ظاهر فوقع التحذير فيه على الفعل كرر فيه التحذير على ما وراء الفعل مما في الصدور ونبه فيه على منال العلم خفية، فإنه قد يترك الشيء فعلًا ولا تترك النفس الغية صغوًا ونزوعًا إليه في أوقات، وكرر في ختمه التحذير ليتثنى التحذيران ترقيًا من الظاهر في الفعل إلى باطن الحماية في العلم خفية، فإنه قد يترك الشيء فعلًا ولا تترك النفس الغية صغوًا ونزوعًا إليه في أوقات، وكرر في ختمه التحذير ليتثنى التحذيران ترقيًا من الظاهر في الفعل إلى باطن الحماية في العلم كما تثنى الأمران في الظاهر والباطن، وكان في إجراء هذا الخطاب على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليهم بما أنه بشر مثلهم يلزمهم الاقتداء به فيما لم يبادروا إلى أخذه من الله في خطابه الذي عرض به نحوهم؛ انتهى.
فقال تعالى-: {قل إن تخفوا} أي يا أيها المؤمنون {ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله} أي المحيط قدرة وعلمًا، ثم قال عاطفًا على جملة الشرط التي هي مقول القول إرادة التعميم: {ويعلم ما} أي جميع ما {في السموات} ولما كان الإنسان مطبوعًا على ظن أنه إذا أخفي شيئًا في نفسه لا يعلمه غيره أكد بإعادة الموصول فقال: {وما} أي وجميع ما {في الأرض} ظاهرًا كان أو باطنًا.
ولما كان ذو العلم لا يكمل إلا بالقدرة، وكان يلزم من تمام العلم شمول القدرة- كما سيأتي إن شاء الله تعالى برهانه في سورة طه- كان التقدير: فالله بكل شيء عليم، فعطف عليه قوله: {والله} أي بما له من صفات الكمال {على كل شيء قدير} ومن نمط ذلك قوله سبحانه وتعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} [آل عمران: 5] مع ذكر التصوير كيف يشاء والختم بوصفي العزة والحكمة، وقد دل سبحانه وتعالى بالتفرد بصفتي العلم والقدرة على التفرد بالألوهية. اهـ.